نعم لم يكن حزبا يقود السلطة/الدولة (و هما الشيء نفسه في نظام بن علي)... كان حزبا ملحقا بها.. أحد إداراتها ذات المهام الدعائية، و الاستخبارية أيضا كما هو واضح الآن من الوثائق التي نشرت في الأسابيع الاخيرة حيث كان يقوم كتاب عامون للجان التنسيق و من تحتهم بتحرير تقارير ذات طابع أمني لرؤسائهم.. هذا عدا عن أن جزءا من قائمات المخبرين المكشوفة أخيرا ناشطون في "التجمع"... و لم نكن على كل حال ننتظر نشرها حتى نكتشف ذلك.. نعم لن أجادل بأنه حزب ليس ككل الأحزاب... لا نستطيع تشبيهه حتى بالاحزاب الشمولية حيث مرجعيتها الايديولوجية طاغية.. فهذا حزب بدون ايديولوجيا كما كان الأمر منذ تأسيس اطاره "الحر الدستوري" في بداية العشرينات
كان "التجمع"، نعم، معبدا حيث يعبد صنم بن علي.. كان مثل "معابد الامبراطور" الرومانية (طبعا بن علي لا يرتقي الى مرتبة امبراطور... و لا حزبه يرتقي الى "معابد الامبراطور" الرومانية) لكن "التجمع" كان أيضا أحد أطر اقتسام الغنيمة و إلا لن يكون هناك داعي أن توجد في "لجنته المركزية" أجنحة العائلة (بلحسن الطرابلسي و صخر الماطري)... "انتخابات" أطره القاعدية و الوسطى تشهد عادة احترابا غير هين... نقطة أخرى مهمة: الاجهزة الأمنية تعمل في سياق متداخل مع "التجمع".. و أحيانا ينتقل مسؤولو الأمن الى مسؤوليات حزبية و العكس أيضا.. أن نرى "التجمع" في استقلالية عن هذه الأجهزة كأن نرى هذه الأجهزة مستقلة عن السلطة/الدولة ذاتها...
الآن عندما فر بن علي و العائلة لم يترك وراءه الفراغ بل مراكز القوى التي استفادت و استكانت من و الى عصره... و من بينها "التجمع"... ترك مجموعة تشعر برابط التضامن.. و حاجة لـ"التجمع" في "التجمع" بغرض الدفاع عن النفس.. باختلاف دوافع "الدفاع عن النفس" (مصلحية سواء كانت سياسية او اقتصادية او اعتبارية-اجتماعية.. اي منها)... إذ بالنسبة لحزب بقي في السلطة أكثر من خمسين عاما لن يكون من السهل التخلي عنها...
2
الآن لندع السياقات المنطقية أعلاه (و التي تؤطر المسألة) جانبا.. لننظر الى المعطيات... أمين عام "التجمع" (الذي لم يصل الى ذلك الموقع لو لم يكن اقرب رجال بن علي) لايزال ذات الشخص، تحدث عن مشاريع أقلمة "التجمع" مع الوضع الجديد ("حزب كبقية الاحزاب")، و تبنى الثورة أيضا، و ربما يصبح ناطقها الرسمي.. و لا يبدو أنه رابض في مكانه... هو يتحرك خلف الكواليس و لهذا يجلب الشكوك كما يصف هذا التقرير
http://www.kapitalis.com/fokus/62-national/2443-tunisie-a-quoi-joue-mohamed-ghariani.html
غير أن الغرياني ليس "الثوري" الوحيد في "التجمع".. هناك أيضا "اربعين" عضوا في لجنته المركزية قرروا إعلان "براءتهم" (من جانب واحد كأنهم هم من سيحدد براءتهم)... و أصدروا بيانهم "الثوري" رقم 1 بنوايا التمرد على جهازهم وسط صمت محيط
أخيرا أحد اللاعبين البارزين في المعركة الداخلية المرتقبة في "التجمع" كمال مرجان الذي تحدث (في تصريحات لصحيفة لو فيغارو قبيل استقالته) من موقع انتماء عائلته "الدستوري" السابق للاستقلال، أي أراد الظهور من موقع "الدستوري" القديم و ليس "التجمعي" الطارئ، معبرا ربما عن تيار آخر في هذه المعركة.. و صرح بوضوح بأنه لا ينوي التخلي عن هذا "الارث" السياسي
3
تبقى الوجوه "التاريخية" التي يمكن أن تؤثر نظريا... الآن مثلا لا يوجد أي ذكر لنائب رئيس "التجمع" السابق (حتى 2008 قبل تقلد الغنوشي هذا المنصب) أي حامد القروي و المعروف بأنه كان الراعي الأساسي للوزير الأول محمد الغنوشي طيلة مسيرته المهنية... يقال أن القروي مريض لكن ذلك لا يعني ضرورة استقالته من السياسة.. سأرجع الى موضوع القروي اسفله خاصة مع تزايد المعطيات على أن الانباء على أن الهادي البكوش (ينظر اليه عادة كمهندس 7 نوفمبر و أقرب الناس الى بن علي قبل نهاية حظوته سنة 1989) يلعب الآن دورا رئيسيا في تسيير الحزب لا تبدو دقيقة في الايام الاخيرة و لو أنه يبدو تم الاتصال به في الايام الأولى بعد فرار بن علي
4
آتي الآن الى الحكومة.. نعم فرضت نضالات و ضغط شعبنا إقصاء رموز "التجمع" عن وزارات السيادة (باستثناء الوزير الاول "المستقيل" من "مسؤوليته" في التجمع و ليس مستقيلا تماما منه).. لكن الحكومة ليست وزراء فحسب.. و حتى الوزراء و رغم طابعهم "المستقل" فإن قلة خبرتهم السياسية يمكن أن تضعهم في موقع التلاعب، ما حصل في القصبة يوم 28 جانفي و ارتباك وزير الداخلية الجديد (فرحات الراجحي القاضي الذي يجمع الكثيرون على أنه فعلا غير متورط مع السلطة) أبرز الامثلة على ذلك
أيضا ليس كل الوجوه "المستقلة" هي "مستقلة" عن أوساط نخبة الحكم (و هنا أفرق بين نخبة الحكم و العائلة الحاكمة المخلوعة).... سآخذ مثالا لا يبدو أنه يحظى بكثير من الاهتمام: هناك أربعة أعضاء جدد ممن يمكن أن يوصفو بـ"التكنوقراط" في الحكومة (ثلاثة وزراء و كاتب دولة) شبان ناجحين كرجال أعمال و اقتصاديين في فرنسا (إلياس الجويني، سامي الزاوي، ياسين براهيم، مهدي حواص)... جميعهم أعضاء في "الأتوج" أو "جمعية التونسيين المتخرجين من المدارس الكبرى" الفرنسية
http://www.atuge.org/doc.php?docid=16
يجب أن نلاحظ هنا أن هذه الجمعية لا تتبنى طرحا سياسيا صريحا (حتى لو أن هناك بروزا فيها لبعض الشان المرتبطين بنخبة الحكم و ليس بالعائلة الحاكمة المخلوعة).. لكن من المثير للانتباه أن هذه المجموعة أيضا ذات علاقة قوية (و بحساب ذات الأسماء المذكورة أعلاه) بمجموعة أسسها حكيم القروي عضو "الأتوج" (و ابن أخ حامد القروي نائب رئيس "التجمع" السابق و الراعي لمحمد الغنوشي) تسمى "قادة شبان للمتوسط"
(Young Mediterranean Leaders)
و كانت نشيطة في السنوات الأخيرة و نظمت أول مؤتمر لها سنة 2008 في تونس بحضور وزراء تونسيين و نخب سياسية و اقتصادية فرنسية على وجه الخصوص (تغلب على علاقات هذه المجموعة حسب قائمة ضيوفها السياسيين وجوه اليمين الديغولي)... فيما يلي روابط للتعرف على أنشطة هذه المجموعة و يمكن أن تجدوا فيها أسماء الاعضاء الجدد في الحكومة
مؤتمر 2009 لمجموعة قادة شبان للمتوسط في اشبيلية.. بحضور مهدي حواص و سامي الزاوي
رؤساء و مجلس ادارة مجموعة قادة شبان للمتوسط
http://www.ymlforum.org/index.php?option=com_content&view=article&id=18&Itemid=2&lang=en
مؤتمر 2008 في تونس بحضور وزراء تونسيين و أيضا من بين الحضور الرئيسيين مهدي المبروك (صهر بن علي) و سامي حواص
http://www.ymlforum.org/files/Programme%20Forum%20YML%202008.pdf
الخلاصة التي أريد أن أخرج بها من هذا أن الاختيارات في علاقة بهذه المجموعة الشابة و التي تمسك بوزارات مفاتيح في الاقتصاد ليست اعتباطية بل انتقائية لنخبة شابة ليست بعيدة عن نخبة الحكم... و لن يكون من الغريب أن يتم تقديم هؤلاء الشبان في الاشهر القادمة (قبل الانتخابات) في مقدمة صفوف "التجمع" في نسخة جديدة
5
أخيرا... جهاز الحزب رغم تهالكه و انقسامه المتوقع لن يندثر بعد.. و سيحاول الخروج في شكل جديد... و هو متمترس في الدفاع عن موقفه و لن يسلم بسهولة، مثله مثل بقية الأجهزة التي استكانت و استفادت من نظام بن علي... إذ أي تصور يعتقد أن رحيل العائلة الحاكمة المخلوعة هو نهاية للنظام هو ببساطة واهم.. إذ العائلة الحاكمة كانت تمارس حكمها فقط بسبب تملها و استعمالها و توريطها مختلف الأجهزة الحزبية و الامنية
أيها السادة لن آتي بجديد، لكن في سياق كل التهويمات التي تشتت تركيز الناس السياسي بعيدا عن مركز السلطة (بين "القناصة" و "الفراغ" و "الراديكاليين" و "النهضة" و "الفوضويين-المعتصمين".. بل حتى مغامرات ملاحقة العائلة المخلوعة أصبحت أحد هذه التهويمات)، يجب أن نتذكر.. أن "التجمع" لم يرحل بعد.. مثله مثل بقية أجهزة النظام










0 commentaires:
Enregistrer un commentaire